كشفت شركة إنتل (Intel) النقاب هذا الأسبوع عن معالجاتٍ جديدة قويةٍ مخصّصةٍ لمهام الذكاء الاصطناعيّ الضخمة، لتكون فاتحة “عصر الحواسيب الشخصيّة المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ”، ويأتي إطلاق هذه الشرائح -الذي تمّ رسمياً ضمن حدث “AI Everywhere” في نيويورك- ليؤكد على طموحات شركة إنتل في ريادة هذا القطاع المتنامي الذي يَعِدُ بإحداث ثورةٍ في الحياة اليومية للشركات والمستهلكين على حدٍّ سواء، كما يؤكد على السباق المحتدم للشركة مع منافسيها مثل إنفيديا (Nvidia) وAMD للسيطرة على السوق الصاعد لأجهزة الذكاء الاصطناعيّ.
ويشمل الإعلان الأخير للمنتجات الجديدة من إنتل نوعين من المعالجات:
- معالجات إنتل كور ألترا (Intel Core Ultra) لأجهزة الحواسيب المحمولة: وهي أول منتجات الشركة لشرائح الكمبيوتر الشخصيّ تضم مسرِّعاً قائماً على الذكاء الاصطناعي باستخدام وحدة معالجة عصبية (NPU). وتَعِدُ هذه الشرائح بأداءٍ أكثرَ كفاءةً لمهام الذكاء الاصطناعي على أجهزة الكمبيوتر المحمولة.
- معالجات الجيل الخامس لإنتل زيون (Intel Xeon): وهي شرائح جديدةٌ ومحسنةٌ مخصّصةٌ لخوادم مراكز البيانات والخدمات السحابية والأجهزة المُلحقة، وتعمل على دمج مسرّعات الذكاء الاصطناعي مباشرةً في كلِّ معالج مركزيّ.
ويمثّل هذان المنتجان إستراتيجية إنتل في توفير الأجهزة اللازمة لدعم الجيل القادم من حلول الذكاء الاصطناعي. وبهذا الخصوص، علّق بات جيلسنجر (Pat Gelsinger) -المدير التنفيذي لشركة التكنولوجيا العملاقة- بالقول: “تقوم إنتل بتطوير التقنيات والحلول التي تمكّن العملاء من دمج الذكاء الاصطناعي واستخدامه بشكلٍ فعالٍ في جميع تطبيقاتهم، سواءً كان سحابياً أو -وبشكلٍ متزايد- محلياً على أجهزة الكمبيوتر الشخصيّة وملحقاتها، حيث يتم إنشاء البيانات واستخدامها”.
معالجات إنتل كور ألترا (Intel Core Ultra) تتيح اقتناء الحواسيبَ المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ أمام الجميع
تُمثّل عائلة منتجات Intel Core Ultra أكبرَ تحوّلٍ في إنتاج الشركة منذ أربعة عقود. وتستخدم هذه الشرائح أساليب تجميع متطوّرةً تجمع بين نوى الحوسبة المحسَّنة لتقديم الأداء والكفاءة العاليين. وتأتي أهميّتها من كونها أول معالجات كمبيوتر شخصيٍّ من شركة Intel مزوّدة بوحدة معالجةٍ عصبيةٍ (NPU) مدمجةٍ خصّيصاً لإنجاز المهام بمساعدة الذكاء الاصطناعي. وتتيح NPU ميزاتٍ جديدةً وتحسيناً للأداء من خلال إتمام المهام القائمة على تعلم الآلة بشكلٍ منفصلٍ عن وحدات المعالجة المركزية الرئيسية.
وصرّحت إنتل أن ذلك سيسمح لمعالجات Core Ultra بأن تكون أكثر كفاءةً في استخدام الطاقة بـ 2.5 مرة خلال عمليات المعالجة المدعومة بالذكاء الاصطناعيّ مقارنةً بالأجيال السابقة. وتعمل وحدة المعالجة العصبية (NPU) أيضاً على دعم أداء وحدة معالجة الرسوميات ووحدة المعالجة المركزية من Intel، ما قد يؤدي بدوره أيضاً إلى تسريع جوانبَ معينةٍ من أداء المهامّ المتعلقة بالذكاء الاصطناعيّ.
أمّا بالنسبة للمستهلكين، سيؤدي هذا الجيل من المعالجات إلى تحسيناتٍ كبيرةٍ في عمر البطارية عند استخدام التطبيقات المعزَّزة بالذكاء الاصطناعي على أجهزة الكمبيوتر المحمولة، كما أنه يمهّد الطريق لمزيد من التجارب الغامرة القائمة على هذه التكنولوجيا.
وتحدّثت شركة Intel في أمثلةٍ أوليةٍ عن ميزات هذه المعالجات، ومن ضمنها أدوات تشويش الخلفيات في مكالمات الفيديو أو الألعاب التي تعرض رسوماتٍ واقعية. ومع ذلك، تقدم الشركة تصوراتٍ لعالم جديد ستوفر فيه أجهزة الكمبيوتر التي تعمل بالذكاء الاصطناعي تجربة مستخدمٍ على مستوى جديد كلياً من خلال تقديم برامجَ ذات قدراتٍ عاليةٍ في الإنتاجية والإبداع وحتى الألعاب.
ومن المتوقّع أن يتم استخدام المجموعة الأولية من شرائح Intel Core Ultra في أكثرَ من 230 طرازاً مختلفاً من أجهزة الكمبيوتر المحمول الشخصية. ومن بين أشهر الشركات التي ستستخدم هذه الشرائح في منتجاتها: ديل (Dell) وإتش بي (HP) وسامسونج (Samsung) وإيسر (Acer) وأسوس (Asus). وتتوقع الشركة أن تشكل أجهزة الكمبيوتر المدعومة بالذكاء الاصطناعي ما لا يقلّ عن 80% من سوق الحواسيب بحلول عام 2028.
معالجات الجيل الخامس من Xeon: الذكاء الاصطناعي لمركز البيانات يحصل على شحنٍ توربينيّ
تستهدف معالجات زيون Xeon الجديدة من الجيل الخامس من Intel التطبيقات السحابية وخوادم المؤسسات والشبكات والأجهزة الملحقة. وعلى غرار معالجات ألترا، فهي تتميّز بتوفيرها لمسرّع الذكاء الاصطناعي المدمج في بنيتها.
وعلى وجه التحديد، توفر النوى في معالجات Xeon الجديدة استنتاجات الذكاء الاصطناعي بنسبةٍ أسرع من النماذج السابقة بمقدار 42%، وذلك بفضل الشبكات العصبية التي تضمّ أكثرَ من 20 مليار معلم، ما يسمح بتنبؤاتٍ أكثرَ استجابةً ودقة.
اقرؤوا أيضاً: الولايات المتحدة وشركة Nvidia تدرسان تخفيف حظر شرائح الذكاء الاصطناعي في الصين وسط تصاعد التوترات
وبالنسبة للعملاء الذين يركزون على التدريب أو التحسين المستمرّ لنماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم، فإن هذه الشرائح تقوم بمهامَّ تتجاوز مجرّد الاستدلال، إذ يتفوّق معالج Xeon أيضاً على معايير MLPerf لنماذج مثل PyTorch وTensorFlow.
وإلى جانب الذكاء الاصطناعي، يقدم الجيل الخامس من Xeon تحسيناتٍ هائلةً في الأداء والكفاءة العامة، وتقول شركة إنتل إن هذه الشرائح الجديدة قد حققت:
- ارتفاع متوسط مكاسب الحوسبة العامة بنسبة 21%.
- متوسط أداء أكبرَ بنسبة 36% لكلِّ واط.
- انخفاض إجمالي تكلفة الملكية بنسبةٍ تصل إلى 77% على مدار 5 سنواتٍ بالنسبة للمطوّرين.
ومن المفترض أن تؤدي تحسينات الأجهزة هذه إلى تسريع تطبيقات الذكاء الاصطناعي على نطاقٍ واسع مع خفض تكاليف البنية التحتية لمراكز البيانات، ما يجعل تشغيل الشبكات العصبية ذات الحوسبة المكثفة أقلَّ تكلفةً.
وبناءً على ما تقدَّم، فقد أظهرت المعالجات الجديدة بالفعل تأثيراً حقيقياً على بعض شركاء شركة إنتل على النحو التالي:
- زاد معدل نقل استعلامات مهام التحليلات لدى شركة IBM Watson بمقدار 2.7 ضعفاً.
- تسريع نماذج الأمان الخاصّة بشركة Palo Alto Networks العميلة لـ Google Cloud، بمقدار ضعفين.
- خفض زمن تحقيق الاستدلال لدى شركة الألعاب Gallium Studios بـ 6.5 ضعفاً باستخدام منصة Numenta للذكاء الاصطناعي.
وهكذا، تعمل شركة Intel على ترسيخ نفسها بقوةٍ كمُنتِجٍ رائدٍ لشرائح الذكاء الاصطناعي عالية الأداء لعدة أجهزة من خلال كلٍّ من معالجَي Core Ultra الخاص بالمستهلكين ومجموعة زيون (Xeon) الموجّهة لمراكز البيانات.
إطلاق الجيل التالي من شرائح Intel Gaudi AI Accelerator في عام 2024
في إطار استعداداتها الأخيرة للكشف عن منتجاتها، قدمت شركة إنتل لمحةً خاطفةً عن الجيل الثالث من شرائح مُسرِّع Gaudi لمراكز البيانات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي (Intel Gaudi data center AI accelerator)، على أن يتم إطلاق منتَج 3 Gaudi العام المقبل كمنافسٍ لشريحة H100 الرائدة من شركة إنفيديا (Nvidia) للتدريب وتشغيل أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية.
يُذكر أن شركة إنتل وصفت شريحة Gaudi بأنها تعكس نهج “توسّعها السريع” بإطلاق منتجاتها الجديدة نظراً لأدائها المتميز عن منافسيها من حيث التكلفة والكفاءة، متوقعةً استحواذ شرائح Gaudi Accelerator على حصةٍ سوقيةٍ كبيرة خلال عام 2024 نظراً لطلب المؤسسات المتزايد على أدوات الذكاء الاصطناعي كتطبيق ChatGPT.
شركة إنتل تطوّر باقة منتجاتٍ متنوّعةٍ لتلبية الاحتياجات المتعدّدة في مجال الذكاء الاصطناعي
وعبر باقة منتجاتها الشاملة التي تضمّ مسرّعاتٍ ومعالجاتٍ وأدواتٍ برمجيّةً ونظماً تقنيةً مفتوحةً، تعمل شركة Intel على تطوير نظام تقنيٍّ شاملٍ أطلقت عليه اسم “الذكاء الاصطناعي في كلّ مكان (AI Everywhere)”، والذي يشمل كافة الجوانب بدءاً من نماذج اللغة في العالم الحقيقي مروراً بأجهزة الكمبيوتر المكتبية وصولاً إلى تحسين التصنيع عن طريق استخدام الرؤية الحاسوبيّة، حيث إن ازدياد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي يعني امتلاك المرونة الكافية لاستهداف مختلف مكوّنات الأجهزة ونظم العمل.
وخلاصة القول فإن Intel Core Ultra تسعى لإتاحة تقنيات الذكاء الاصطناعي على أجهزة الكمبيوتر المحمولة للعامّة من المستهلكين الأفراد والشركات على حدٍّ سواء، بينما يعمل الجيل الخامس من شرائح Xeon على توسيع نطاق استخدامات الذكاء الاصطناعي في الحوسبة السحابية ومراكز البيانات بتكلفةٍ معقولة. وأخيراً، فإن الشرائح المنتظرة مثل 3 Gaudi تسعى لأن تقود الجيل القادم من الشبكات العصبيّة المتطورة والتي تتطلب قوّةً حاسوبيةً هائلة.
وبالنسبة لمطوّري التطبيقات، توفر شركة Intel أيضاً نماذجَ محسّنةً مثل oneAPI لتبسيط استخدام موارد التسريع عبر مجموعاتٍ متنوّعةٍ من الشرائح. والنتيجة ستكون بنيةً أساسيةً متكاملةً للذكاء الاصطناعي قادرةً على القيام بكلِّ شيء بدءاً من أدوات المساعدة الذكية على الهواتف المحمولة، وصولاً لتوجيه السيارات ذاتية القيادة على الطرق.
إستراتيجية إنتل للتفوّق على منافسيها في شرائح الذكاء الاصطناعي تنطلق “على أوسع نطاق”
مع إطلاق شركة إنتل لهذه المنتجات الجديدة المثيرة للاهتمام، بالإضافة إلى خارطة الطريق الطموحة للغاية، فإنها ترسل رسالةً واضحةً عن عزمها قيادة ثورة الذكاء الاصطناعي عوضاً عن اتّباعها، حيث تدخل شركة التكنولوجيا العملاقة المنافسة بكلِّ ما تمتلك من قوة بعد تخلفها عن ركب منافسيها -كشركة Nvidia- في طرح مُسرِّعاتٍ مخصّصةٍ للذكاء الاصطناعيّ.
وتتمثل المكاسب المحتملة خلال العقد المقبل بمئات مليارات الدولارات، حيث تكتسح أحدث برمجيات الذكاء الاصطناعي العالم، لذا فإن شركة Intel تسعى للتربّع على القمة عبرَ إطلاق منتجاتٍ قويةٍ ذات تصميمٍ فائق لمواكبة الانتشار الهائل لتقنيات الذكاء الاصطناعي.